کد مطلب:167917 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:238

القادم المتنکر فی الظلام
وما إنْ تسلّم عبیداللّه بن زیاد رسالة یزید التی حملها إلیه الباهلی حتّی أمر بالجهاز من وقته والمسیر والتهیؤإلی الكوفة من الغد، [1] فلم یبق فی البصرة بعدها إلاّ یوماً واحداً قتل فیه سلیمان بن رزین (رض) رسول الامام الحسین علیه السلام إلی أشراف البصرة ورؤساء أخماسها، وألقی فیه خطاباً هدّد فیه أهل البصرة وحذّرهم من الخلاف والارجاف وتوعّدهم علی ذلك.

(ثمّ خرج عبیداللّه من البصرة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلی، وشریك بن


الاعور الحارثی، [2] وحشمه وأهل بیته، وكان شریك شیعیاً، وقیل: كان معه خمسمائة، فتساقطوا عنه، فكان أوّل من سقط فی الناس شریك، ورجوا أنْ یقف علیهم ویسبقه الحسین إلی الكوفة، فلم یقف علی أحدٍ منهم...) [3] .

فلمّا أشرف علیها نزل حتّی أمسی لیلاً، فظنّ أهلها أنّه الحسین، [4] وكان معتمّاً بعمامة سوداء وهو متلثم، (والناس قد بلغهم إقبال الحسین علیه السلام إلیهم فهم ینتظرون قدومه، فظنّوا حین رأوا عبیداللّه أنّه الحسین علیه السلام، فأخذ لایمرّ علی جماعة من الناس إلاّ سلّموا علیه وقالوا: مرحباً بك یا ابن رسول اللّه، قدمتَ خیر مقدم، فرأی من تباشرهم بالحسین ما سأه...). [5] .

ولمّا صار فی داخل المدینة فی جنح الظلام توهّم الناس أنّه الامام علیه السلام، (فقالت امرأة: أللّه أكبر! ابن رسول اللّه وربّ الكعبة! فتصایح الناس، قالوا: إنّا معك أكثر من أ ربعین ألفاً. وازدحموا علیه حتّی أخذوا بذَنَبِ دابّته، وظنّهم أنّه الحسین..). [6] .

(وسار حتّی وافی القصر باللیل، ومعه جماعة قد التفّوا به لایشكون أنه الحسین علیه السلام، فأ غلق النعمان بن بشیر الباب علیه وعلی خاصّته، فناداه بعض من


كان معه لیفتح لهم الباب، فاطّلع علیه النعمان وهو یظنّه الحسین علیه السلام، فقال: أنشدك اللّه إلاّ تنحیت، واللّه ما أنا بمسلّم إلیك أمانتی، ومالی فی قتالك من أ رب!

فجعل لایكلّمه، ثمّ إنّه دنی وتدلّی النعمان من شُرف القصر، فجعل یكلّمه، فقال: إفتح لافتحتَ! فقد طال لیلك!

وسمعها إنسان خلفه فنكص إلی القوم الذین اتبّعوه من أهل الكوفة علی أنّه الحسین علیه السلام، فقال: یا قوم! ابن مرجانة والذی لاإله غیره!

ففتح له النعمان فدخل، وضربوا الباب فی وجوه الناس وانفضّوا!). [7] .

وفی روایة المسعودی: (..حتّی انتهی الی القصر وفیه النعمان بن بشیر، فتحصّن فیه، ثمّ أشرف علیه، فقال: یا ابن رسول اللّه، مالی ولك؟ وما حملك علی قصد بلدی من بین البلدان؟

فقال ابن زیاد: لقد طال نومك یا نعیم. [8] وحسر اللثام عن فیه، فعرفه ففتح له، وتنادی النّاس: ابن مرجانة!

وحصبوه بالحصباء، ففاتهم ودخل القصر!). [9] .

ممّا مرَّ من هذه المتون التأریخیة التی روت لنا كیف دخل ابن مرجانة الكوفة تتضح لنا تماماً درجة الضعف المذهل التی كان علیها ممثلوا السلطة الامویة فی الكوفة آنذاك، فالنعمان بن بشیر یلبد فی القصر ویخشی الخروج منه لمقابلة القادم المتنكّر فی الظلام الذی ظنّ أنّه الحسین علیه السلام، وعبیداللّه بن زیاد


وهو بین مجموعة من أهل الكوفة یخشی حتّی من إظهار صوته مخافة أن یُعرف، ویحصبه الناس بالحجارة بعد أن عرفوه فلایقوی علی شیء سوی الهروب الی داخل القصر! ومعنی هذا أنّ الكوفة یومذاك كانت تعیش بالفعل حالة (الانقلاب) فی رفضها النظام الامویّ، وانتظارها لوصول القیادة الشرعیة القادمة إلیها من مكّة المكرّمة.


[1] راجع: الارشاد: 187.

[2] شريك بن الحارث (الاعور) الهمداني: مضت ترجمته في الجزء الثاني: ص 159.

[3] الكامل في التأريخ، 3:388.

[4] مثير الاحزان: 30؛ وفيه (حتّي أمسي لئلاتظنّ أهلها أنه الحسين...)، ولكننا أخذنا بما نقله صاحب بحار الانوار، 44:340 عن مثير الاحزان، وهو الصحيح. وقال الشبلنجي في نور الابصار: 140، (ولمّا قرب منها عبيداللّه بن زياد تنكّر ودخلها ليلاً، وأوهم أنه الحسين، ودخلها من جهة البادية في زيّ أهل الحجاز...).

[5] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد: 187.

[6] مثير الاحزان: 30.

[7] تأريخ الطبري، 3:281؛ والارشاد: 187؛ وعنه بحار الانوار، 44:340.

[8] لعلَّ هذا المثل يُضرب لمن طالت غفلته عمّا يجري حوله من حركة الاحداث.

[9] مروج الذهب، 3 :66-67.